الاثنين، يونيو 23، 2008

عن تجارة الكتاب

عن تجارة الكتب
نسبة التوزيع
أخبار الأدب: العدد 1429، 15 يونيو 2008م
عزت القمحاوي
لا أعرف إن كانت هناك تجارة أخرى تحقق نسبة خمسين بالمئة ربحاً للموزع مثلما تفعل تجارة المخدرات والكتب. النسبة في تجارة المخدرات مبررة، نظراً للمخاطرة التي يتحملها من ينذر نفسه لهذه التجارة الخطرة، بل إن هذه النسبة يتبدد نصفها، إذا ما أخذنا في الاعتبار الديون المعدومة وما يقع في أيدي الشرطة، وتكلفة تأليف القلوب في الأوساط الشعبية والرسمية.وإذا جردنا عملية الإبداع والنشر والتوزيع من أبعادهما الثقافية ونظرنا للكتاب كمنتج، سندهش من هذه القسمة الظالمة. الكاتب يدفع عمره، والناشر يدفع أمواله، ويتحملان معاً مخاطرة تهريب المنتج من الرقابات المختلفة، وتبعات التصادم مع العائلة والشارع والحكومة، ليشتركا معاً في نصف عائد الكتاب، بينما يحتفظ الموزع بالنصف من دون جهد أو مخاطرة من أي نوع.بالتأكيد هناك بعض الناشرين ينجون كليا أو جزئيا من هذه القسمة بامتلاكهم منافذ توزيع خاصة بهم، لكن تظل المشكلة قائمة بالنسبة لمعظم دور النشر، ويجب أن تجد حلاً يعيد الأمور إلى نصابها.وبالتأكيد لم تكن الأمور على هذا النحو دائماً، لكن يبدو أن ركود القراءة في السنوات الأخيرة غر الموزعين بالكتاب، فزحفت النسبة من ثلاثين إلى خمسة وثلاثين إلى اللعب بين الأربعين والخمسين بالمئة، وأحياناً أكثر.الآن تغير الوضع، وصارت حالة القراءة إلى انتعاش، وهذه بداية فحسب: لأن أرقام التوزيع الحالية، حتى بالنسبة للكتب الأكثر مبيعاً، لا تتناسب مع عدد قراء العربية من موريتانيا إلي العراق.من المخجل أن نعد الكتاب الذي يوزع ثلاثة آلاف أو أربعة أو عشرة آلاف نسخة أكثر مبيعاً بين ثلاثمائة مليون إنسان، بينما يعد هذا الرقم لا شيء بين خمسة ملايين دانماركي!لكن علي أية حال العجلة دارت، وعلينا أن نتمسك بالأمل، لأننا بحاجة إلى ذلك، وتحقيق الأمل بحاجة إلى خطوات من بينها اقتسام الأرباح بشكل عادل، وتصحيح مسار الكتاب بوصفه عملية إنتاجية ينبغي ألا يطغى أحد أطرافها على الآخرين.ويجب في هذا الصدد أن نشهد لدور النشر بأنها سعت سريعاً إلى اقتسام التطور الضئيل مع الكاتب، وبينما كان تحمل الكتاب لتكلفة كتبهم ظاهرة تكاد تكون عامة في سنوات الركود، فإن الظاهرة بدأت تنحسر، وزاد عدد الدور التي تدفع للمؤلفين، مهما كانت ضآلة حقوق التأليف، لكنهم بدأوا في ذلك. وإذا ما تم تعديل نسبة الموزع لصالح المؤلف والناشر، فإن ذلك سيعود بالنفع على إنتاج الكتاب، بل وعلى المجتمع بأسره، لأن دعم الكاتب وزيادة اعتماده على إبداعه وفكره في عيشه، هو جزء من التأسيس لمجتمع حر بشكل حقيقي، وليس تمثيلاً في عروض المصارعة الحرة بالبرلمان، التي لا تحقق حتى متعة تنفيس الغضب نيابة عن الجمهور، مثلما يفعل المصارعون المقنعون في الرقعة المسيجة بالحبال.لقد تأذت الثقافة العربية من تأميم صناعة النشر، وانقطاع الصلة المباشرة بين الكاتب والقارئ، وأنهت التعاقد غير المكتوب بينهما، فكان طور الوهن الذي عاشته ثقافتنا ونتنفسه إلى اليوم: فالكاتب معفي من مواصفات الجودة، والقارئ غير مضطر لتلقي خدمات لا ترضيه.وقد بدأت هذه الحقبة تجرجر أذيال خيبتها، وأصبحت الساحة مؤهلة للعودة من جديد إلى علاقة مباشرة بين الكاتب والقارئ، وهذه العلاقة ينبغي تدعيمها من خلال تعظيم عائد الكتاب من كتبهم، ومنع الموزعين من القيام بدور قاطع الاتصال الذي قامت به مؤسسات النشر العامة. والغريب أن موزعي الكتب الذين لا يتمتعون بتنظيم يرعي مصالحهم يتحكمون في الكاتب والناشر اللذين يتمتعان باتحادات إقليمية وقومية. هذه مفارقة، والقضية ليست في موازين القوة، لكن في إقرار العقل والمنطق، وأعتقد أن اتحاد الكتاب العرب واتحاد الناشرين يجب أن تكون لهما وقفة لحماية مصالح أعضائهما وتعديل الخلل.
--------------------------------------------
بعيدًا عن الاتفاق أو الاختلاف وودت فقط أن أعرض وجهة النظر فى هذه المسألة التى تشغلنى بالتفكير كثيرًا