الاثنين، ديسمبر 22، 2008

قهوة الريفيرا

قهوة الريفيرا



لازالت هناك دهشة

معرفتى بممثلى المسرح علمتنى ذلك، والسبيل إلى الدهشة هو انتظارها فقط..لا البحث عنها. هم يقولون ذلك.

ومعرفتى بعبد اللطيف كانت دائمًا دليلاً قاطعًا على أن الدهشة تحب أن تأتى أحيانًا لتجلس بين الناس. كنا نحب أن تجمعنا شقة بولاق الدكرور أنا وهو وأبو كمال حين نحب أن نبكى أو نرى ما يمكن أن يفعله الصمت بعد بكاء شديد، عبد اللطيف هو من كان يعرف من أين يبدأ الكلام وأين ينتهى، حين يطفأ هو أنوار الشقة بيده ويطمئن علينا ويغطينا وينام هو فى الغرفة الأخرى أو على كنبة الأنتريه، ولكن الظروف تغيرت الآن فقد تزوج عبد اللطيف وأنا كذلك أما أبوكمال فيقع على نفسه من الضحك كلما تذكر أن هذا حدث فعلاً. المقاهى أصبحت تلمنا الآن نحن الثلاثة مرة كل شهر مثلاً حين نحب أن نرى بعضنا ونحن فى كامل قوتنا فقط بل بكاء. صديقنا المندهش هو من اقترح مقهى الريفيرا بشارع فيصل ناحية شارع العريش، مكان يعرفه ويعرف أنه هادىء وكما يقول هو أنه مكان جديد وبيخرج طاقة إيجابية وفاتح 24 ساعة نلف براحتنا ونروح نقعد فيه شويه.

أنا وابو كمال نترك له الاختيار فنحن معًا أكثر الوقت أما هو فيجالسنا فى الشهر مرة. الريفيرا مقهى كبير ومتسع فى دور ثان فى عمارة ضخمة، ومع أنه فى مكان نظيف وغال الثمن إلا أنه مقهى كلاسيكى وطريقة تجهيزه تشبه المقاهى البلدى إلى حد كبير. كنا هنك فى الرابعة والنصف صباحًا بعد أن دخلنا سينما الهرم حفلة 12 ولفينا فى شارع فيصل حبه نحكى فى أى شىء وعبد اللطيف عزمنا على مسمط (مش عارف ليه) أكلنا وملأنا التنك تمام ولم يتبق إلا كباية شاى بالنعناع لتحبس الخزعبلات التى بلعناها.

- حبايبنا.. إيه الأخبار.. نورتو المكان.

قالها القهوجى الذى يشبه رجال خدمة العملاء فى شركة بوتاجازات وهو مبتسم ابتسامة مبالغ فيها.

جلسنا وطلبنا الشاى أبو نعناع واسترخينا فتحركت أنا فى الكرسى يمينًا ويسارًا فقال عبد اللطيف: غير يا بابا الكرسى علشان المسند بتاعه مش مظبوط عشان ضهرك يرتاح. فقلت: مش مهم بقى عادى. فصمم أن أغيره وشد كرسى من جواره وغيرت الكرسى. كنا وحدنا فى المقهى فقلل القهوجى الإضاءة شيئًا ما وحول التليفزيون من قناة Mazzika إلى قناة المجد وهدأ الصوت، نزل الشاى وهو يقول:

- نصطبح بالقرآن الكريم عشان ناخد بركة الصبح.. ولا إيه يا بشوات.

فهززت رأسى أنا وابو كمال نوافقه لينجز ويتركنا. لحظات ودخلت المقهى امرأة ترتدى عباءة سوداء لامعة بدون زراير تمسكها بإحكام من الوسط وخلفها رجل قصير فكرنى بفاروق فلوكس غير أن لبسه مبهدل، سلمت على القهوجى بحميمية وتحركت ناحية الحمام فى آخر المقهى وجلس فاروق فلوكس على طاولة وسط المقهى دون كلام. أبو كمال كان يحكى لحظتها عن محمود الخطيب وماتشات الأهلى القديمة وعن أبيه وكيف أنه كان مزاج عنده أن يلعب معه وقت ماتشات الأهلى وأبوه كان صبورًا ولا يريد أن يغضبه إلا حين يلمس الخطيب الكره فيتحول كل الصبر إلى صراخ فيه، وعبد اللطيف يقول له: يا راجل.. يااه ويضحك .. أبوك ده غريب أوى. وخرجت المرأة من الحمام يبدو أنها هى التى دخلت ولكن أصبحت ببنطلون جينز وبلوزة بيضاء قصيرة وشعرها مربوط. قبل أن تجلس كانت امرأة أخرى ترتدى نفس العباءة تقريبًا ولكن مدهولة وتظهر ألوان من تحتها دخلت المقهى ببطء وهى لا تكاد تتوازن، لم تسلم على أحد وجلست معهم وهم يتبادلون النظرات، تابعتهم لحظات ظلوا صامتين فيها ثم سرحت عنهم حتى أفقت على صوت المرأة التى دخلت وحدها تصرخ فيهما بصوتها الخشن ورأسها يكاد يلتصق بالطاولة:


- إنتوا مش كل يوم تقولولى نفس الحوار ده.

- حوار إيه يا زوبا ( رد عليها الرجل بلطف وهو يضع إصبعه أسفل وجهه)

- أنا اشتغلت وتعبت ما تجوش تقولولى النقطه والزفت ماليش دعوه بكل ده.

( كان عبد اللطيف وابو كمال قطعا الكلام وانتبها لهم معى)

صرخت المرأة الأولى:

- اخلصى يا بت مش كل يوم البقين الحمضانين دول كل واحد على قد شغله.. يا بت ده انتى بتترعشى مش بتهزى.. ده كويس ان فى نقطه أصلاً.

(القهوجى وكأنه لا يسمعه أو معتاد على ما يقولون)

قامت زوبا منتفضة وهى تدفع الكرسى للخلف بحركتها غير المتزنة:

- أنا برعش.. طب تصدقى بإيه انتى ما تفهميش حاجه فى الرقص ( كادت تقع وهى تشير لفلوكس) ولا انت كمان، ونادت على القهوجى: يا خاالد.. تعالى.. تعالى (فلم يلتفت حتى لها) فتلفتت تبحث عن أى أحد فوجدتنا أمامها قالت لهم: بلاش خالد الناس اهه.. ناس حلوه وعسل اهه ( أبعدت الكرسى واقتربت متمايلة نحونا وهى تلقى العباءة من على كتفيها فظهرت بدلة الرقص وقالت: احكموا انتوا بقى عشان مش عايزين يدونى حقى، وبدأت ترقص وتنظر لنا واحنا متنحين مش فاهمين أى حاجه ولم نقدر أن نلفظ بكلمة واحدة فصرخت فينا: هاا قولوا رأيكوا ياللا قولولها انى أحسن رقاصه فى مصر. فى هذه الأثناء كانت المرأة الأخرى قد أخرجت مالاً وضعته على الطاولة وخرجت وخلفها الرجل، والمرأة لا زالت ترقص حتى وقعت فأسندها القهوجى وأجلسها على الطاولة وهو يلفها بالعباءة واحنا متسمرين وهى لازالت تقول: قولولها بقى قولولها.

وضع القهوجى المال فى حقيبتها وكأنه معتاد على ذلك أيضًا وتركها وعاد كما كان، وساد الصمت والذهول والتتنيح للحظات تحرك بعدها عبد اللطيف من مكانه وهو يقول:

- أنا هشوف الست دى مالها. (فأمسكته من يده وقلتله)

- اقعد يا عم انت وبطل.. دى ست لاسعه احنا مش ناقصين

شد يده من يدى وتحرك نحوها وهو يقول: خمسه وجاى.

قلت لابوكمال: ياعم شوف الواد ده.. دى رقاصه ممكن تشرشحه وتفرج علينا شارع فيصل كله. وابو كمال اكتفى بمتابعته فأجبرنى أعمل زيه.

اقترب منها بهدوء. سحب كرسى وجلس كانت هى شبه نامت على الطاولة، كل ما قاله: - هو إيه اللى حصل.. الناس دى مالها بيكى.

ردت وهى فى وضعها وكأنها تنتظر السؤال:

- من يوم ما هيما مات وانا بقيت ملطشه بيودوا ويجيبوا فيا وينهشوا زى ما هما عايزين، قال تقولى بترعش ده انا أحسن رقاصه فى مصر، تعرف البت دى اللى كانت قاعده هنا دى بت جربانه ملهاش فى الرقص ولا الزفت غيرش بس هيا الدنيا اما تحكم الخلق الواطيه، عامله فيها اسطى تطلع 5 دقايق تهز وسطها وتركن على كده وانا جسمى يتكركب ووسطى يتفك باقى الليله وفى الآخر ترميلى شوية فكه وتشفط هيا البهاريز (وترفع راسها له) بقى ده يرضى ربنا.. هه.. انت احكم انت، انا برقص وحش؟ وعبد اللطيف عامل زى كائن فضائى لسه نازل الأرض ومبلم للجنس البشرى مش فاهم إيه ده، وقبل ما ينطق دخل القهوه كاوتش منفوخ على هيئة إنسان وقف على راسه وسند على كتف زوبا وقال له:

- فى حاجه يا برنس.. أأمرنى حضرتك

(كان القهوجى شاور للرجل الكاوتش وهو داخل يهدئه وتحركنا انا وابو كمال لنلحق حياة عبد اللطيف فشاور لنا القهوجى يهدئنا ويشير وهو مبتسم بأن نجلس)

قالت المرأه لعبد اللطيف الملتصق بالكرسى:

- أهه هيما جه عشان يجيبلى حقى وينصفنى عليهم، قوله يا هيما انى أحسن رقاصه فى مصر.

تحرك عبد اللطيف من مكانه وهو يتنحنح وقد شككنا أنه هيسترجع ذكريات الكونج فو لكنه تحرك إلينا وجلس فى صمت واحنا خايفين نضحك علشان الرجل الكاوتش الذى تحرك وهو يمسك بزوبا ناحية الحمام، فابتسمنا نكتم ضحكنا وعبد اللطيف ينظر للطاولة وهو يرفع نظارته بإصبعه، دقائق جلسناها مبتسمين فى صمت حتى خرج الرجل الكاوتش وزوبا فى يده أو كأنها هى ببنطلون جينز وبلوزة بنى طويله وعلى كتفيها شال أبيض وخرجا صامتين، انفجرنا فى الضحك حتى رفع عبد اللطيف رأسه وإصبعه على النظارة وهو يقول باندهاش:

- الست دى غريبه فعلاً.


الثلاثاء، ديسمبر 16، 2008

الحزن أكبر بكثير



الحزن أكبر بكثير


(1)

اسم طفلها على اسمى. أعتقد أن هذا اكبر دليل على أنها لا تذكرنى على الإطلاق. هى أول من تعبث به.. ولا تأبه. فليس لديها شىء –على حد قولها-. تدمع حين تدرك أن أولى محاولاتها أودت بها إلى كل ما يخص وحدتها. وجهها صبوح كما هو مع أنها فى رجعٍ بعيد.

(2)

وماذا تعرفين أنتِ عن الحزن؟

حتى وإن تركك أحدهم، حتى وأن وقفت عند نقطة ثابتة، نقطة لا تخرجين منها بشىء.. تلفين حولها فقط، حتى وإن استقرت ملامحكِ على ما هى عليه منذ خرجتِ ببراءتكِ إلى الضوء، حتى وإن كانت المدينة قاسية، حتى وإن كانت أحلامكِ تستقر ولا تنفر، حتى وإن ابتسم طفلكِ لى حين رآنى، حتى وإن كنتِ نفسك وددتِ أن تستأذنى رجُلِك بأن يسمح لك أن تصافحينى وليكن طلبًا أخيرًا،

حتى وإن ثبتت عيناكِ وثبتت عيناى وثبتت عينا رجُلِك للحظة واحدة ثم تحرك الطريق وكأنها لم تمر تلك اللحظة،

حتى وإن كنتِ أنتِ التى قلتِ أن الأشياء لا تعرف إلا بالتجربة.

الحزن أكبر من كل ذلك بكثير.




السبت، ديسمبر 13، 2008

قهوة عسلية

قهوة عسلية


الجيارة كلها تقريبًا كانت تعرف ما يمكن أن يحدث إن مر كلب أسود أمام مقهى عسلية. وبما أنى أنا وصاحبى كنا جددًا على المقهى بل وعلى الجيارة كلها فكنا زبائن هذه الليلة وضع تحت كلمة زبائن 131 خطًا إن أردت.

دائمًا ما كنا نجلس على مقهى قريب من جامع عمرو بن العاص المكان هادىء هناك ونذهب إليه حين نضجر من الزحام والوش ولكن هذه الليلة كنا متعبين فجلسنا إلى أقرب مقهى قابلنا فى المنطقة واخترنا أول صف من الكراسى التى تكاد تصل إلى منتصف الشارع الذى لا يمر به شىء تقريبًا لا سيارات ولا بشرولا حتى صوت يأتى من بعيد مع أن الشارع الرئيسى به ما يكفى من الضجيج ولكن بمجرد أن دخلنا إلى الشارع وكأننا انفصلنا عن الكون وتسيدت حالة من الصمت لم أر مثلها إلا فى هذا الشارع، حتى صوت التليفزيون الذى لا نراه يصل من داخل المقهى بصعوبة وأقول فى نفسى أن تليفزيون فى مقهى كهذه لا بد ليس به إلا القناه الأولى والثالثة وقد يكون أبيض وأسود أساسًا.

بمجرد أن وضعنا جسمنا على الكراسى سمعنا صوتًا يخرج من قفا البدل

- يا مرحب يا باشاوات.. تشربوا إيه.

عسلية - كما قال اسمه فيما بعد- جدارًا له ثلاثة أبواب أحدهما كان سد علينا الرؤيه فلم نر باقى الجدار. إنكمشت فى البدلة للحظة ثم نظرت لكمال وحركت رأسى ناحية القهوجى وتلبسنى عادل إمام وكنت هقول لكمال رد على البيه، فقال له اتنين شاى بالنعناع سكر زيادة وتحرك القهوجى دون أن يرد أو حتى ينظر لنا، سحبت الطقطوقه لأسند عليها الشنطة فامتلئت يدى بالتراب وتخيلت البدلة اللى حيلتى دلوقت حالتها إيه من الكرسى البلاستيك الأخضر وكمية التراب فى البنطلون ولكن من تعبى لم أتحرك غير أنى صرخت فجأة فى كمال

- إيه يا عم الحاج القهاوى دى احنا ناقصين

وطبعًا الناس كلها عينيها اتحجرت علي وشوشنا والهمهمه والتأتأه ثم صمت والقهوجى فط من قفانا بصوته اللى محتاج يتشحم

- ليه كده يا باشا إيه اللى جرى بس لا سمح الله (بترقيق اللام)

فتنحنحت وقلت بهدوء لا بس التراب على الكراسى بهدلنا

فى ثانية أخرج فوطة وقومنى وهو يقول:

- يا نهار يا باشا معلش امسحها فيا ومسح الكراسى وقال اتفضلوا اوعى تزعل يا باشا والنبى عشان خاترى، هاا البشوات يشربوا إيه بقى

فابتسمت متوجسًا وقلت له : تانى طب مش لما تجيب الشاى

فرد ببراءة شديدة : انتوا طلبتوا شاى والله بجد.. تيب حاضر عينيا.. لامؤاخذه تيب ثوانى تيب عينيا. وتحرك بسرعة

ابتسمت وأنا أتابع مشيته وهو يحرك رأسه فى اتجاه وجسمه فى اتجاه وأهمهم( تيب تيب) مين ده. وأعود لكمال الصامت على غير العادة من أول ما خرجنا من مقابلة الشغل فى المنيل، عنده حق ما فيش مجال خالص للكلام إحنا تكلمنا كثيرًا اليوم ومحتاجين شوية صمت ولذلك جئنا لقهوة هادئة. أبو كمال غطس فى الكرسى مثل عادته أيضًا حين يكون متعبًا يقول لى :

- سيبنى ربع كده هنام واقوم زى الفل ومعاك فايق للفجر لو عايز.

قولت له اتوكل وقعدت أفكر فى الفراغ شويه ومستنى الشاى وتجولت بعينى على الناس فى ضهرنا، بمجرد ما لوحت رأسى وجدت الناس متنحين لنا فرجعت كما كنت ولسه هقول يا ابو كمال لقيت القهوجى بيستعرض حنجرته المجوفه وهو جاى ناحيتى:

- أحلى شاااى لأحلى باشوات.

وضع الشاى وقال لى هو الباشا منين فقلت فى نفسى إيه القهوجى الغريب ده السؤال المفروض يكون اسم الكريم إيه كده يعنى قلت له :

- من إمبابه اشمعنى يعنى.

قال: - أصلك تشبه لواحد حبيبى بس هو مش باشا زى ساعتك بدله وجرافته وكده. قلت له: يا عم انت بتصدق ده عشان الشغل بس.. احنا كلنا اخوات.. انت اسمك ايه بقى.

نزل ناحيتى كام دور لحد ما وصل لوشى وبص فى ضهرة وهس لحظة وقال لى (عسلية) قلت:ماشى ياعم عسلية .

لف ضهره وقال :أحلى اسطباحه يا باشا. وراح ناحية النصبة.

بصيت على كمال كان غرقان فى الكرسى قلت وكأنه سامعنى:ما تقوم يا عم الحاج تشوف النيله اللى احنا فيها دى ..ماعلينا. خرجت الموبايل أعمل أى حاجه إلى أن تفوت الربع ساعه. يدوب فتحت الموبايل وصوت خرم رأسى من ورا:

- يا با دى عيال سيس.. عارف دخلوا فاردين صدرهم ورسموا الشويتين وقعده وحركات وبدل ومبايلات وفى الآخر كلوا علقه كانوا بيعيطوا زى العيال النغه.

وصوت بيرد عليه:

- دول أصلك إيه أقولك يا معلم .. دول بيبقوا بقى إيه باعتينهم يقطُروا واحد فيبقوا إيه فاكرين انهم يعنى رجاله وبتاع وإيه فاهم انت.. بس رجاله انكم إيه رقعتوهم ولادالـ......دول.

رجعت فى الكرسى شويه وزرعت وشى فى الموبايل وفتحت لعبة سباق عربيات اللى عمرى ما لعبتها، ورقع صوت ثالث فى قفاى:

- كده الصح عشان مش كل ابن شـ...... يفتكر ان المنطقه سداح مداح.. مش مزرعة حمير هيا، إلعب واخلص بروح امك الدوسه حمضت فى إيدى.

أنا سقطت فى الكرسى ولعنت وسبيت لابو كمال بس ما استجريتش أزعق فيه علشان يصحى، مديت إيدي على كباية الشاى ولسه هشرب القهوجى فط قدامى فانتفضت وكنت هلبسه الكبايه فى وشه، زيق بصوته:

- الباشا بتاعنا.. الشاى مش عاجبك ولاإيه.

رجعت فى مكانى على الكرسى وقلت له وأنا آخذ ريقى : لا زى الفل يا عسليه تسلم إيدك.. بس بحبه بارد شويه.

رد بهدوء : ماشى يا باشا. واتحرك من أمامى فى ثانية.

مسكت الكبايه وأخدت بق لقيت الشاى ما فيهوش سكر ما قدرتش أمسك نفسى واتعفرت إلتفت وصرخت بعصبية :

- يا عسلية.. إنت يا عسليه انت.

كمال انتفض مكانه وقال: فى إيه. فى هذه اللحظة كان هناك شىء ما يتحرك ناحيتنا ممكن نقول عليه مجازًا (إنسان) ووقف أمامنا.. رجل بجلبيه بنى، مثل عسليه القهوجى مرتين ونصف وعلى رأسه طاقيه صغيرة وقورته متضخمة، وقال أو يتهيأ لى أنه قال:

- إنت اللى بتنادى.. (وعينيه تحتوينا نحن الاثنان)

بصيت لكمال وبصراحه صعب علي أقول للرجل : لأ.. هو ده، فقلت:

- أنا ناديت على عسليه علشان الشاى ما فيهو.......(قاطعنى):

- عسليه كده حاف.. إيه الحلاوه دى.

قلت باندهاش وبخوف الصراحه :

- أمال اقول يا إيه. (قال لى فى ثانيه).

- كلك نظر.. (وقرب من وشى) ولا دول مش عينين لا مؤاخذه.

ما عرفتش اقول حاجه وكمال قال: هو إيه اللى حصل ووجه كلامه للرجل:

- إيه يا ريس فى إيه.

الراجل سمع كلمة ريس وصوته زمجر وقال له:

- ريس.. ريس إيه يا حلو انت وهو (معرفش زعل ليه من ريس مع إنها حلوه والله) إنتوا منين ياد انت وهو.

إحنا سمعنا ياد دى وشوحنا وفى صوت واحد: ما تتلم يا عم انت.

بس انا كنت أقرب للرجل المنشأة ده فمسك كتفى وحوط على كمال وقال:

- أنا عسلية يا أمور انت وهو.. أى خدمه.

أنا وشى جاب علامة X معرفش ازاى.. وقلت له:

- اسمك عسليه برضه.. أنا .. أنا ما قصدتكش انت أنا قصدت عسليه القهوجى، مش انت.

الرجل عروقه نفرت وقال:

- ما فيش عسليه هنا غيرى أنا المعلم عسليه (بتفخيم كل الحروف) صاحب القهوة.

حاولت أتلفت على القهوجى كان واقف فى ضهره والناس تجمعوا حولنا فشاورت له على عسليه : أهه ده هو عسليه القهوجى.

الرجل ولا حتى التفت وسألنا بصوت أعتقد سمعته فى أفلام كائنات الفضاء والخيال العلمى من قبل:

- إنتوا من طرف رؤوف؟؟!!

طبعًا كمال لسه مزهول ومزبهل من كل ما يحدث وأكيد يقول فى نفسه:(أنا يدوب نمت ربع كل ده حصل )

وأنا بدأت أحس إنى فى فيلم كرتون وكنت سأنفجرفى الضحك حين سمعت صوته وهو يقول رؤوف.. وخفت أن يضحك كمال ضحكته الأسطورية فأضحك ولا أسيطر على نفسى .

الرجل حس أنه سأل ولم يجبه أحد فتمكن الموضوع من رأسه على اعتبار أن السكوت علامة الرضا كما يقولون، وانطلق فى الزعيق والشخير:

- تبقوا من طرف رؤوف يا ولاد القــ.........

وانا سمعت رؤوف تانى وانفجرت فى الضحك وهكذا كمال وهما نازلين سب ولعن وطرمخه فى أهالينا. لكن الغريب أنهم لم يضربونا يا دوب كم خبطه فى أكتافنا من القهوجى والناس التى تجامل وطبعًا المعلم عسليه (على حد قوله) شلفط البدل وأكتافنا وهو يودى ويجيب بكفوفه المبطرخه فى ياقات البدل واحنا نتمرجح فى يديه وقال بنفس الصوت وهو لازال يمرجحنا:

- قولوا لرؤوف ( واحنا نحاول أن نقول رؤوف مين يا عم الحاج ولاأحد يسمع من صوته الجهور) قولوا لرؤوف إن الواد أنوس خلاص مابقاش عندى وما بقاش ييجى هنا وان كان عايز يقطره يبقى يغور فى داهيه بعيد عن المخروبه القهوة (ويمرجح وكأننا حتة عجينه فى إيديه) وقسمًا عظمًا..والولعه دى لوحد هوب هنا تانى لكون مقلعه بنطلونه وغازه فى الكريمه عشان يبقى عبره .. قولوا لرؤوف كده بس وهو هيفتكر(وانا لسه بحاول اقوله يا عم رؤوف مين بس وكمال لسه بيحاول يقول يا ريس هو فى إيه اللى حصل) وهو يواصل: ورحمة أمى والنعمه الطاهرة دى (ويلحس صباعه) والنعمه دى والنعمه دى أى كلب منكم لابس بدله سودا وعاملى باشا هيلمس برجله عتبة القهوة ولا الشارع ولا الجياره كلها لكون مخليه مره.. مره انتوا فاهمين.. وزقنا بإيديه : ياللا فى داهيه ابقوا سلمولى على رؤوف.

كمال لازال يحاول أن يفهم وأنا تحركت بسرعه وأنا بشده من ذراعه وهو لسه بيقولى هو إيه اللى حصل .. إلى أن خرجنا من الجيارة كلها وقفت فى شارع الملك الصالح أخذت نفسى وشددت صدرى وقلت وأنا أضغط على ذراعه:

- بص يا عم كمال.. قهاوى تانى لأ.. على الطلاق ما هعقعد على قهوة تانى، ولا هسيبك تنام لا ربع ولا نص.

وتحركت وذراعه لا زال فى يدى وهو يهمهم:

- مين رؤوف ده ومين أنوس ومين عسليه؟ ويسكت.. أنام ربع يجرى كل ده.