الاثنين، يناير 19، 2009

أنا ودار الشروق

أنا.. ودار الشروق

( الدنيا أوضه وصاله )
أبو كمال دايمًا بيقوللى كده وبيبقى متضايق أوى لأن الدنيا فعلاً ضيقه

وانا علشان بحب ابو كمال ما كنتش عايز أأكد لنفسى ولا لأبوكمال الكلام ده لكن مش هاين عليا أضيع الفرصه دى
(وابقى أحكيلكوا بعدين عن الموضوع ده)




كتابى الجاى فى دار الشروق
بحكى فيه عن القهاوى اللى قضيت فيها أوقات طويله سواء بمذاجى أو كنت مضطر
بحكى عن أغرب الحاجات اللى شوفتها وأغرب الناس اللى قابلتهم فيها وأغرب المواقف اللى حصلتلى أنا وابو كمال أو انا وحسام صاحبى القديم
بحكى عن أحاسيس بسيطة وأحلام بسيطة
وعن دنيا تانيه
اسمها القهوة
-----------------------
قهوة المصريين
يصدر فى معرض الكتاب
عن دار الشروق

الخميس، يناير 01، 2009

صاحب الدهشة



أبى.. صاحب الدهشة

أنا..

بلا ذكريات.

هكذا أحب أن أكتفى باللحظة الحاضرة –أو أوهم نفسى بذلك- وأحب أن أفتخر أمام نفسى أنى أنسى سريعًا ما مضى، وأبتسم لما سيأتى. لكن أبى مش مبسوط كده، وينتهز أى فرصة ليهبط على رأسى ويذكرنى ويحكى لى ما يحلو له. هكذا هو، يأتى ويشاور لى ويقول بهدوءه الأنيق: (انت بتشتغل نفسك يا ابو درش) ويبتسم.

أعرف أن أبى يقاوح ولا يريد أن يصدق أنه مات من أكثر من سنتين.. ماااااات، (طب أفهمه ازاى) لكنى أحبه وأصدقه وأتركه يحكى –وليس أفضل من هذه الفرصة ليأتينى وأنا أكتب عن المقاهى وأحكى عنها- تمنينا دائمًا أن نكون صديقين، أن أسمعه ويسمعنى بلا تكليف، وينتهى الكلام بيننا بأن أحضنه مثلاً وأشكره على سعة صدره، وأن يشكرنى لأنى أحسن صديق له، أن أطلب منه ألا يقول لأحد ما قلته له، فأنا أثق به كصديق، وأن يؤكد هو علي ألا أقول ما قاله لى لأمى ويترجانى ثم يهدد فى النهاية بأنه سيقطع صداقته بى إن خرجت كلمة، واحتمال يقطع المصروف والمعونات كمان. تمنينا وتمنينا وتمنينا.. حتى قلت له وهو يرقد فى آخر مستشفى:

(عاجبك كده يا عم الحاج؟.. آديك بتموت.)

**

أنا وهو الآن فى قهوة حسن القريبة من شارع الأزهر. المكان كأنه لوحة فنية بالألوان الزيت وخصوصًا القهوة ومعمارها المملوكى وكأننا رجعنا 700 سنة أو أكثر. حملنى بيديه من تحت إبطي وأجلسنى على الكرسى الخشب الأصفر فتعلقت رجلي فى الهواء، وجهه كان محمرًا وتلعثم وهو يقول لى: معلش.

فاستغربت وقلت له:

- معلش على إيه يا بابا.. إيه اللى حصل؟.

فتلفت للمقهى حوله وقال لى بنفس الصوت الخجلان:

- إنى قعدتك على قهوة يعنى وانت لسه صغير.. بس انا تعبت من المشى

فمرجحت رجليا وقلت وأنا بضحك:

- ده مكان حلو.. بس شربنى كوكاكولا.

كنا مجهدين، فاليوم كان طويلاً فى زيارة سيدى على نور الدين وسيدنا الحسين والسيدة نفيسة والسيدة زينب، أبى كان مداومًا على زيارتهم كل شهرين أو ثلاثة وكان يأخذنى معه.

تقدم إلينا سليمان القهوجى (كما قال اسمه لأبى حين سأله كالعادة عن اسم الكريم) بجلبابه الأبيض الناصع، رحب بأبى وسأله:

- تشرب إيه يا بيه؟

فرد أبى:

- شاى خفيف

فنزل بصدره وأشار لى وهو يبتسم:

- والافندى الصغير؟

فرددت وكأنى أنتظر صوته:

- أنا كبير على فكره

فقال له أبى وهو يضحك:

- هات له كوكاكولا

كانت المرة الأولى التى أجلس فيها إلى مقهى وتقريبًا –كما عرفت بعد ذلك بكثير- أنها كانت المرة الأولى أو الثانية لأبى، ففهمت لماذا كان يعتذر، كان غريبًا لى حين عرفت أنه لم يجلس أبدًا إلى مقهى فاندهشت لدرجة أنى لم أعلق ولم أسأل. وضع سليمان المشاريب أمامنا وهو يقول:

- أسقع كوكاكولا للافندى الكبير.( وخدوده تهتز من الضحك وأنا أنظر له دون حركة فانكسف وتحرك وهو يضرب كفًا بكف)

أشار أبى أمام وجهى المتنح لسليمان وسألنى:

- إتبسطت انهارده؟

- أيوه.. الطعمية السخنة اللى عند سيدى على نور الدين كانت حلوة

- بس... ده اللى عجبك؟ (وهو يخبطنى على رأسى)

- لأ اتبسطت.. أنا بحب اروح معاك سيدى على وسيدنا الحسين، بس عايز أطلب منك حاجه

- أطلب

- خدنى معاك فى كل حته تروحها

- بس كده.. حاضر يا أستاذ

يومها كان أبى فى نفس سنى أو أكبر قليلاً.. خمس سنوات. حكى لى عن أبيه وكيف أنه كان يمنعه عن المقاهى وجلسات الأصدقاء، حكى عن حفلة أم كلثوم الوحيدة التى حضرها دون أن يعلم أحد، ذهب إليها وحده، لم يكن لديه أصدقاء، ولم يكن ليرضى جدى أن أن يصحبه، إبتسم لى وقبل رأسى وأنا أقول له:

- يا عم ولا يهمك.. أنا أوديك حفلات محمد فؤاد وعمرو دياب لو عايز ونقعد على القهوة كل يوم كمان

فرحت جدًا لما شفته بيبتسم وفهمت أنه وافق.. وإلا لماذا يقبل رأسى!

قال لى وهو ينهى كوب الشاى:

- خلص إزازتك علشان نمشى.. ولا انت مش عايز تروح؟

- بصراحة..لأ

- طب ياللا يا غلباوى.. اتأخرنا على ماما

نطيت من الكرسى وقلت له:

- أنا عايز ادخل الحمام قبل ما نمشى

- مش هتقدر تستحمل للبيت؟

- لأ

- طب ثوانى (ونادى لسليمان القهوجى)

- أؤمر يا بيه

- فى حمام هنا؟

- فى مبوله آخر القهوة على اليمين

- مفيش حمام عادى

- لأ والله يا بيه

فتحركت خطوة للداخل وأنا أقول:

- عادى.. هتنفع البتاعه المبولة دى

فقال أبى:

- استنى يا مصطفى انا هاجى معاك اساعدك

(خدود سليمان تهتز من الضحك وهو يشير لى ويقول):

- مش هيطول المبولة أصلاً يا بيه

وقف أبى وتحرك نحوى فأشرت له بكف يدى أوقفه وأنا أتحرك للداخل وأقول:

- أنا هتصرف.. شوف انت بس خدود عمو سليمان مالها على ما اخلص واجيلك.