الجمعة، مايو 20، 2011

موج

تحت موج

تحت موج

فى القلب

الجمعة، مايو 06، 2011

تخيل يا أبى.. كل هذا حدث


كتبت وصيتي (مع أني لم أكن جريئًا كفايه لأموت) ونزلت إلي وسط البلد، كان استقبالاً حافلاً أمام دار القضاء العالي، اصطفت الخرزانات في استقبالنا، وكادوا يعزفون سيمفونية العجز والألم علي قفانا بعد أن ضغطوا صدورنا بحواجزهم يا أبي، لولا أن خرجنا إلي شارع رمسيس وانضم إلينا المئات، لأول مرة في حياتي أري عصا الكهرباء وهي تجري في اتجاهنا، كان هدفنا أن نصل إلي ميدان التحرير، وكان هدفهم أن يصلوا إلي قفانا ولو للحظات، لم أعد صامتًا يا أبي، رغم كل ما قلته لي عن تلك المسافة التي تفصل بين الكلمة العالقة بالحلق وبين اللسان، متي تخرج ومتي تعود إلي الجوف لتصير إلي لا شيء.

لم أعد صامتًا، هتفت مع الآلاف في وسط الميدان بإسقاط النظام، أخذتني تلك النشوة التي أخذت الجميع بأننا استطعنا أن نقولها.. استطعنا، تلك النشوة التي رأيتها في عين كل منا حين كان ينظر لتلك الأعداد من حوله، تخطينا المئتي ألف يا أبي في أول يوم، كسرنا حاجز الخوف الذي كان يقف أكثرنا بخياله خلفه حين كنا نتوقع أن نُضرَب علقة محترمة في هذا اليوم ونعود إلي بيوتنا ليس إلا، رأيتك في الميدان يا أبي أكثر من مرة وفي أماكن متفرقة مع أنك تغيبت في يوم 25 (ربما لأنه لم يقتل منا أحد)، أعرف أنك كنت في وسطنا يوم الجمعة 28 كنت تعيد لهم القنابل المسيلة وتجري بيننا في حواري الجيزه ثم نعود لهم، أنهكناهم يا أبي حتي تركوا لنا الميدان والشوارع، هللنا وصفقنا ونحن نسير من شارع مراد وحتي كوبري الجلاء ونحن نهتف "سلمية سلمية"، مليون وأكثر يا أبي، لم نكن نعرف ما ينتظرنا من كوبري الجلاء وحتي ميدان التحرير، لو أنك تري YouTube لشممت منه رائحة الموت. بكيت بكاءً عارمًا أمام الأوبرا، لا أدري لأي سبب كان غير أني شعرت بقسوة ما يحول بيننا وبين حريتنا. لعلك استقبلت تلك الورود الشابة النضرة التي ضحت بأرواحها لأجل وصولنا الميدان ولأجل بقائنا فيه، ولعلك انتظرتني معهم في تلك الجمعة، غير أني قلت لك (لم أكن جريئًا كفايه لأموت)، صدقني تمنيت لقاءك، حتي أني لم أهرب من الميدان حين أطلقوا علينا الرصاص المطاطي ثم الرصاص الحي من شارع الجامعة الأمريكية، لم أكن لأهرب، إلا أن هناك من اختار أن يتلقي الرصاص بصدرٍ رحب ليسطر بروحه تاريخًا من نور لم نكن جميعًا نتخيله أو نتخيل تلك الكلفة التي دفعوها نيابة عنا.

أربعة عشر يومًا في الميدان يا أبي، نبحث عن أنفسنا من جديد، تلك الأنفس التي كنا نعرفها كانت افتراضية وزهقت حين خرج أول هتافٍ علي ألسنتنا، وولدت لنا أنفس بيضاء جديدة. الميدان كان لنا، صوت بثينة كامل الذي كنت تحبه كان يهتف بيننا، لعلك ضحكت من روحك وقلبك حين رأيت اللوحات وما كتب عليها، كان احتفالاً فنيا وحضاريا يا أبي، رسامون ومغنون وشعراء يصيغون أحلي ما جال بوجداننا، أطباء يداوون مصابينا، وحماه للمداخل ولجان تفتيش وتنظيم، رجال ونساء وأطفال يهتفون بصدق.. تخلصنا من الزيف الذي كان قد حل بنا.. خرجنا يا أبي، صرخنا مطالبين بحريتنا وقلنا للعالم إننا مازلنا أحياء، وقدمنا نموذجًا في الصمود والإصرار والتحضر، لعلك لا تصدق النتائج مثلما لا نصدق نحن حتي الآن، مصر تغيرت، لم يعد هناك أحد مما كانوا يؤرقونك..مصر تغيرت، ولعلك تضغط علي شفتيك الآن وتقول: (ليتني رأيت مصر الحلوة قبل أن أموت).


نشرت بتاريخ 2/16- روز اليوسف